رقائق الذكاء الاصطناعي.. تشعل حرب الهيمنة بين الصين وأمريكا

تتوسع المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى عدة مجالات تحاول فيها واشنطن تحجيم جهود بكين لتصبح قوة عالمية رائدة.

ويعقب أحد هذه المجالات بالتكنولوجيا الأمريكية الحساسة التي تحرص واشنطن على ضبط تدفقها إلى بكين.

ويصرح جريجوري سي ألين، مدير مركز وادواني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ألقى الليفتنانت جنرال بسلاح الجو الأمريكي جاك شاناهان خطابا مهما حول مشروع "مافين"، وهو جهد رائد لتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي بوزارة الدفاع الأمريكية. وقال شاناهان في الخطاب إن النتائج المبكرة للمشروع كانت مثيرة للغاية، لدرجة أنه يتعين على وزارة الدفاع "عدم شراء نظام أسلحة آخر بدون الذكاء الاصطناعي".

وأعلن الجنرال شاناهان في خطاب له أمام مؤتمر "نفيديا جي بي يو تكنولوجي" لعام 2017 في واشنطن.

وبما انه مستكشف المسار للذكاء الاصطناعي لوزارة الدفاع، كان أحد التحديات الأولى التي واجهها"مافين" هو أن البنية التحتية للحوسبة التقليدية للوزارة لم تكن ملائمة تماما لمعالجة خوارزميات الذكاء الاصطناعي الحديثة، التي تتطلب كميات مذهلة من قوة الحوسبة المتخصصة. وكان على المشروع إقامة بنية تحتية جاهزة للذكاء الاصطناعي خاصة به من الصفر.

ويعلن ألين إن هذا يعني شراء الكثير والكثير من وحدات معالجة الرسومات المتخصصة، والمعروفة أيضاباسم رقائق الذكاء الاصطناعي.

وزادت ميزانية المشروع في النهاية إلى أكثر من 250 مليون دولار سنويا، وذهبت حصة كبيرة منها لإقامة وصيانة البنية التحتية المتخصصة لحوسبة الذكاء الاصطناعي.

وبما أن "نفيديا" كانت، ولا تزال، الشركة الرائدة عالميا في إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي، كان مشروعمافين عميلا رائعا لشركة نفيديا فور تأسيسها تقريبا.

ويكشف ألين إنه ليس من المستغرب أن تدعو نفيديا الجنرال شاناهان إلى إلقاء كلمة رئيسية في مؤتمرها وشرح إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في التكنولوجيا العسكرية والحرب المستقبلية.

وقد أولى الخبراء في الصين اهتماما وثيقا بالأهمية الاستراتيجية لرقائق الذكاء الاصطناعي. وعبر تقرير صادر عن جامعة تسينجهوا في العاصمة بكين عام 2018 عن ذلك بعبارات صريحة، حيث جاء فيه: "سواء كان الأمر يتعلق بإدراك الخوارزميات، أو الاستحواذ وقاعدة بيانات ضخمة، أو القدرة الحاسوبية ، فإن السروراء التطور السريع لصناعة الذكاء الاصطناعي يكمن في الأساس المادي الوحيد، أي الرقائق. لذلك، ليس منالمبالغة القول (لا رقائق، لا ذكاء اصطناعي) بالنظر إلى الدور الذي لا غنى عنه لرقائق الذكاء الاصطناعيكحجر الزاوية لتطوير الذكاء الاصطناعي وأهميته الاستراتيجية".

ومن خلال نهج نظرائهم في الولايات المتحدة، يعتقد قادة الصين، وبينهم الرئيس شي جين بينغ، الأمين العامللحزب الشيوعي الصيني، أن القيادة في الذكاء الاصطناعي تشكل الأساس لمستقبل القوة الاقتصاديةوالعسكرية. وتصف استراتيجية الذكاء الاصطناعي الوطنية الصينية لعام 2017 الذكاء الاصطناعي بأنه"تركيز جديد للمنافسة الدولية".

وبدا الجيش الصيني في حملة تحديث الذكاء الاصطناعي في نفس الوقت تقريبا مع الولايات المتحدة عام2017 ، وواجه الاثنان نفس المشكلة التي كشف عنها مشروع مافن، وهي الحاجة الماسة إلى رقائق الذكاءالاصطناعي.

ولكن المؤسسة العسكرية الصينية واجهت مشكلة إضافية، فالشركات الصينية لم تصنع رقائق الذكاءالاصطناعي، لذا شرعت الحكومة الصينية في استراتيجية ذات شقين: أولا، شراء رقائق الذكاء الاصطناعيمن الولايات المتحدة (في الوقت الحالي). ثانيا، تطوير بدائل صينية للرقائق الأمريكية (في أقرب وقتممكن).

وحول مشتريات الجيش الصيني من رقائق الذكاء الاصطناعي فهي ليست أمرا مطروحا للنقاش. وتم نشرذلك علنا في عقود المشتريات العسكرية الصينية غير السرية. واستعرض باحثون من مركز الأمنوالتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون 21 ألفا و88 عقدا من هذا القبيل في الفترة من نيسان/أبريل إلىنوفمبر/تشرين الثاني 2020 ووجدوا أن جميع مشتريات رقائق الذكاء الاصطناعي حددت منتجات أمريكية. ولم يحدد عقد واحد شراء الرقائق من شركات صينية.

وبرغم ذلك، كان هدف إنتاج منافسين صينيين لرقائق الذكاء الاصطناعي للمنتجات الأمريكية راسخا بالفعلفي ذهن القيادة الصينية، قبل عامين من بدء مشروع مافين. وفي سبتمبر/أيلول 2015، نشر مجلس الدولةالصيني حجر الزاوية في السياسة الصناعية الصينية تحت شعار "صنع في الصين 2025". وكان الهدفالرئيسي لأشباه الموصلات في خطة صنع في الصين 2025 هو "أن تحل محل الواردات منتجات صينيةالصنع تتحقق بشكل أساسي في الصناعات الرئيسية".

ويتمحور هدف السياسة الصريح للصين- الهدف الأساسي لإعلانها عام 2014 عن أكثر من 100 مليار دولارمن إعانات صناعة أشباه الموصلات- هو أن تستبدل بتقنيات صناعة الرقائق من الولايات المتحدة وحلفائهاأخرى صينية. وكانت هذه خطة الصين، ليس فقط قبل تولي الرئيس جو بايدن منصبه، ولكن قبل عامين منتنصيب الرئيس السابق دونالد ترامب.

وهذا هو السياق الحيوي الذي يمكن من خلاله الاطلاع على ضوابط التصدير التي فرضتها إدارة بايدن يوم7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي قيدت الصادرات الأمريكية من رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة والمعداتالمتطورة المستخدمة في صنعها. وكان قادة الصين قرروا بالفعل عمل أي شيء وكل شيء للتخلص مناعتمادهم على التكنولوجيا الأمريكية. ولم تكن هناك فرصة واقعية لإقناع الصين بالابتعاد عن هذه السياسة.

ولكي يتم منع الصين من شراء الرقائق الأمريكية المتقدمة، تطبق ضوابط التصدير على مستوى البلاد، وليسفقط على المنظمات العسكرية الصينية المعروفة. وهذا رد فعل مباشر لحقيقة مفادها بأن استراتيجية الصينللاندماج العسكري المدني عملت على تعميق وإخفاء الروابط بين الشركات التجارية الصينية والمؤسسةالعسكرية الصينية. ورغم أن الشركات الأمريكية امتثلت بشكل موثوق لقيود مراقبة الصادرات قبل عام 2022 "دون مستخدم نهائي عسكري" ، تمكنت شبكات البائعين داخل الصين بشكل موثوق من توصيل الرقائقإلى الجيش. وكان منع المبيعات إلى الصين ككل متأخرا.

وتعتبر شركات معدات أشباه الموصلات الصينية متأخرة بأكثر من عقد ونصف عن أحدث ما توصلت إليهالتكنولوجيا في الولايات المتحدة. والصين ليست بمعزل فقط عن المعدات الأمريكية المتقدمة، ففي مارس/آذار2023، أعلنت الحكومتان الهولندية واليابانية أنهما تتبنيان أيضا ضوابط تصدير جديدة على معداتتصنيع أشباه الموصلات المتقدمة. ويذكر أن الولايات المتحدة واليابان وهولندا معا تقدم ما يقرب من 90% من المبيعات العالمية لهذه المعدات.

ويوضح هذا حقيقة بسيطة مفادها بأن المزيد والمزيد من الدول تدرك أن الصين تعني ما كتبته في "صنع فيالصين 2025 أي أن استراتيجية الصين للتجارة التكنولوجية هي بناء مستقبل لا يشمل الشركات غيرالصينية.